بقلم : طلال عوكل
عبثاً يحاول الكاتب ملاحقة الأحداث التي تعصف بالمنطقة، أو تتصل بها، وعبثاً نحاول أن نجد مساحة لتناول الهموم الداخلية الناجمة عن حالة الانقسام، وتضع أمامنا الكثير من المشكلات التي تتصل بقضايا المجتمع.
منذ فترة طويلة والكتّاب يتناولون، بالتحليل والتفسير، مخاطر الانقسام الداخلي على الشعب والقضية، وحتى على وجود الفلسطيني على أرضه. يكتبون وهم يعرفون أن لا جدوى من الكتابة وتقديم النصح، والاقتراحات لصنّاع القرار السياسي في بلادنا، على اختلاف تلاوينهم ورؤاهم، فهؤلاء يكتفون بالتلخيصات التي قدمها لهم المساعدون، الذين عليهم أن يجتهدوا في تقديم زبدة المَقال في كلمات محدودة، قبل أن يقدموا الأهم، وهو موقف صاحب المقال وانتماؤه.
الناس تقرأ، وتتخذ مواقف، لأنهم يريدون أن يعرفوا إلى أين تسير المراكب الفلسطينية وسط هذا البحر المتلاطم من الأمواج والتناقضات، وغياب الشفافية والمسؤولية، لكن صنّاع القرار لا يسمعون إلاّ أصواتهم، وربما نصائح مَن حولهم من الموثوقين، والمحسوبين، والموالين وأصحاب الحظوة. خلال أيام قليلة، وقعت ردة متوقعة على خط العلاقات الداخلية، ومحاولات انجاز مصالحة فلسطينية، إذ سرعان ما تبددت الأجواء الإيجابية، ليعود الحال الى ما كان عليه. تبادل الاتهامات، والتحريض، والاعتقالات، والاستدعاءات، ومنع النشاطات. الاتهامات لا تحمل جديداً غير ما يعرفه الناس، فالنسبة للرئيس محمود عباس، فإن إيران هي التي تختطف الطائرة الفلسطينية، وتمنع "حماس" من التوقيع على الوثيقة المصرية، وبالنسبة لـ"حماس"، فإن ارتهان الرئيس عباس و"فتح" للسياسات الأميركية والإسرائيلية هو الذي يمنع المصالحة.
المهم أن المصالحة غير ممكنة، وان الإرادة الفلسطينية غائبة وغير مقررة، وهي حين تحضر، تنتمي إلى عالم الحسابات الفصائلية والخاصة، التي تبحث عن مكاسب لأصحابها، بصرف النظر عمّن سيدفع الثمن، وبصرف النظر عن النتائج.
يوم الأحد الماضي، قامت جماعة تنتحل اسماً غير معروف سابقاً، ولا نظن أنه سيتكرر إلاّ في حالات مشابهة، بالاعتداء على مخيم صيفي كبير أقامته وكالة الغوث، في منطقة الشيخ عجلين على شاطئ بحر مدينة غزة.
الجماعة التي أسمت نفسها "أحرار الوطن"، كانت قد وزعت بياناً قبل الاعتداء بيومين، في العديد من المساجد والمناطق، تضمن تهديداً للوكالة، واتهامات صعبة، كان يفترض أن تشعل لدى المعنيين الضوء الأحمر. لم يطل الأمر حتى كان ما يقرب من أربعين مسلحاً يقطعون طريق البحر من الجهتين، الشمالية والجنوبية، لموقع المخيم الصيفي، ويحرقون عدداً من الخيم.
في البداية، صدرت ردود فعل واسعة تناقلتها وسائل الإعلام عامة، وامتنعت بعضها عن إثارة الأمر، إلاّ من خلال أخبار ثانوية، ما اضطر داخلية الحكومة المقالة، لأن تصدر بياناً تستنكر فيه العمل وتتوعّد بإجراء تحقيق، وبعد يوم آخر، أعلنت عن اعتقال مجموعة من المتهمين. الوكالة تعرضت في العام الماضي لانتقادات بسبب الاختلاط، لكنها هذا العام تجنبت تلك الانتقادات، ولكنها لم تسلم من الأذى، إذاً أين المشكلة؟
المشكلة تكمن في اختلاف منهج التعامل مع تلامذة المدارس، الذين تستقطب الوكالة في مخيماتها عشرات الآلاف منهم، بالإضافة الى توفير نحو ثمانية آلاف فرصة عمل خلال فترة الصيف، هذا يؤثّر سلبياً على عدد الملتحقين بمخيمات "حماس" الصيفية.
ليس هذا وحسب، بل إن المشكلة تكمن في اختلاف مضامين التربية التي يتلقاها، الأطفال واليافعون، الذين تحرص "حماس" على تعبئتهم وتربيتهم بالثقافة والمناهج التي تعتنقها، ولا ترى أن التعبئة في المخيمات التي تقيمها الوكالة تلبّيها.
المؤشرات على ارتفاع سخونة العلاقات الداخلية، وإفساد المناخات الإيجابية، كثيرة، ويصعب ملاحقتها.
المهم ان هذا يحصل في الساحة الداخلية، في الوقت الذي يحتاج فيه الفلسطينيون لإعادة بناء أوضاعهم على أساس الوحدة لمجابهة التحديات المتزايدة. دقات طبول الحرب في المنطقة والاقليم تزداد صخباً وارتفاعاً، فعدا تواصل التهديدات الاسرائيلية، والممارسات الاسرائيلية، فإن المناورات التي تجريها إسرائيل منذ بداية هذا الأسبوع لا يمكن أن تكون مجرد تدريبات دورية للجيش الإسرائيلي.
التهديدات تأخذ طابعاً عملياً، إذ تواصل إسرائيل اعتداءاتها المتنوعة على قطاع غزة، وكان آخرها القصف الجوي الذي وقع فجر يوم أمس الأربعاء، على شمال وجنوب قطاع غزة، وأدى إلى إصابة أكثر من خمسة عشر مواطناً.
الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع بالتوازي مع استمرار النشاطات الاستيطانية، والاستفزازات المتكررة، وآخرها ما يُسمى "قانون شاليط"، هذه الاعتداءات لا تحتاج الى تبريرات لم تحصل عليها إسرائيل، في ظل حالة الهدوء والالتزام التي تشهدها جبهة قطاع غزة مع إسرائيل.
هذا التصعيد يترافق، أيضاً، مع تصعيد سياسي، إذ تواصل إسرائيل عرقلة المفاوضات غير المباشرة، فضلاً عن عودة نتنياهو للحديث عن حلٍّ لشعبين، وليس لدولتين، ما يعني بقاء الاحتلال، مع السماح بحكم ذاتي. وعلى صعيد المنطقة، فإن المؤشرات تتزايد نحو إمكانية الانزلاق نحو حرب أو حروب واسعة. فالمناورات الإسرائيلية، تقابلها مناورات إيرانية، والتوتر بشأن الملف النووي الإيراني يتزايد، رغم الاتفاق الثلاثي بشأن تبادل اليورانيوم.
كل هذا التوتر والتصعيد، من جانب إسرائيل، سواء على جبهة المفاوضات السياسية، أو على جبهة الوضع العام في المنطقة، ربما كان السبب وراء الدعوة المفاجئة التي وجهها الرئيس الأميركي لنتنياهو لزيارة واشنطن، والتي ربما ستجري الأسبوع القادم.
ويبدو أن الأميركيين الذين يشعرون بالحرج بسبب السلوك الاستفزازي الاسرائيلي الذي يسمّم أجواء المفاوضات غير المباشرة، ويهدد بالإطاحة بها، أو دفع الفلسطينيين للتوقف عن إجرائها، يبدو أن الأميركيين بدأوا يشعرون بالحاجة إلى إعادة ضبط السلوك الإسرائيلي، بما يتوافق مع رؤيتهم لكيفية التعامل مع ملفات الشرق الأوسط المعقدة.
ففي حين تتمهل واشنطن وتعطي فرصة أكبر للعمل السياسي والدبلوماسي لاحتواء بعض العوامل المعترضة في المنطقة، فإن إسرائيل تستعجل الدخول في مغامرات كبرى قد تؤدي، أو من شأنها أن تؤدي، الى توريط حليفتها الولايات المتحدة في مستنقعات المنطقة، فيما هي غير قادرة على التخلص من تبعات المغامرات التي قادت إليها سياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن.